بر الوالدين وصلة الأرحام وزيارة القبور
بر الوالدين وصلة الأرحام وزيارة القبور
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره ونستغفره ونتوب
إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل
له ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مثيل له، خالق
العرش والكرسي والسماوات والأرض، خالق الجن والإنس والملائكة، خالق البحار
والأنهار، خالق النباتات والأشجار والثمار، خالق كل شىء ولا يحتاج إلى شىء
وليس كمثله شىء ولا يشبه شيئا ولا يشبهه شىء.
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقرة أعيننا محمدا عبده
ورسوله وصفيه وحبيبه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة فجزاه الله عنا
خير ما جزى نبيا من أنبيائه.
اللهم صل على محمد صلاة تقضي بها حاجاتنا، اللهم صل على محمد
صلاة تفرج بها كرباتنا، اللهم صل على محمد صلاة تكفينا بها شر أعدائنا
وسلم عليه وعلى ءاله سلاما كثيرا.
أما بعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العلي العظيم
القائل في محكم كتابه: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين
إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين} (سورة النساء/36).
إخوة الإيمان، انظروا في هذه الآية، انظروا فيها نظرة محاسبة
للنفس واستعداد للتطبيق كما كان حال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
{وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين} فإن في هذه الآيةحثا
على بر الوالدين وكسب رضاهما في حياتهما، فمن أراد النجاح والفلاح فليبر
أبويه، فإن من بر أبويه تكون عاقبته حميدة بإذن الله، فبر الوالدين بركة
في الدنيا والآخرة. {وبالوالدين إحسانا}.
ويقول رب العزة في القرءان العظيم: {وإذ أخذنا ميثاق بني
إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا} (سورة البقرة/83)، ويقول
تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك
الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما}
(سورة الإسراء/23)، ويقول تعالى: {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا
تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا} (سورة الأنعام/151).
فكم هو عظيم هذا الدين وكم هي عظيمة ءايات القرءان العظيم {وبالوالدين إحسانا}.
والإحسان هو البر والإكرام.
قال ابن عباس: "لا تنفض ثوبك فيصيبهما الغبار فيتأذيان".
وقد نهى الله عباده في القرءان الكريم عن قول "أف" للوالدين وهو
صوت يدل على التضجر، فالعبد مأمور بأن يستعمل معهما لين الخلق حتى لا يقول
لهما إذا أضجره شىء منهما "أف". {ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما} (سورة
الإسراء/23).
أي لا تنههما عن شىء أحباه لا معصية لله فيه وقل لهما قولا لينا لطيفا أحسن ما تجد كما يقتضيه حسن الأدب.
ولقد ذكر أن رجلا مسرفا على نفسه يلهو ويعبث ويفعل ما حرم الله،
وكان له أم صالحة تأمره بترك ذلك وتنصحه بسلوك طريق التوبة وهو لا يلتفت
لنصحها إلى أن مرض مرضا أضجعه فندم وتاب إلى الله ثم وهو على فراش الموت
قال لأمه: "يا أماه إذا أنا مت فاتبعيني إلى قبري فإذا وضعوني فيه انزلي
أنت أيضا فيه وقولي يا رب إن قد رضيت عنه فارض اللهم عنه".
فلما توفي لم تجد أمه من يقوم معها بتهيئة الجنازة فغسلته
وكفنته ثم استأجرت أربعة رجال للصلاة عليه ودفنه، ثم خرجت الجنازة من
البيت ولم يخرج مع الجنازة إلا الأم والأربعة الذين استأجرتهم.
فرأى الجنازة عالم من العلماء استغرب أمرها فلحق بها ليعرف من
هذا الذي لم يهتم بجنازته إلا القليل وخلفهم امرأة فإذا به يلمح الأم قد
نزلت في القبر كما أوصى ولدها.
ربته في صغره ونصحته في كبره ولحقته بعد موته إلى قبره ونزلت في
القبر وقالت "اللهم إني قد رضيت عنه فارض اللهم عنه ثم انصرفت، وبقي
العالم عند القبر فسمع صوتا من القبر يقول: "إن الله قد رضي عنه برضائك
عنه".
فهل ستخرج من هنا وأنت في ءاخر أيام هذا الشهر الفضيل، هذا
الشهر العظيم رمضان، هل ستخرج من هنا إلى دار أمك وتقول لها رضاك أمي؟ أو
ستذهب إلى قبرها لتقول رب اغفر لي ولوالدي رب ارحمهما كما ربياني صغيرا؟.
فكم هو عظيم إخوة الإيمان أن نذكر بعضنا البعض في ءاخر أيام هذا
الشهر المبارك ببر الوالدين وبالإحسان إليهما إن كانا لا زالا في هذه
الدنيا، وإن رحلا فبزيارة قبريهما والدعاء لهما بخير فإنهما ينتظران
الهدايا والعطايا بعد موتهما.
وكم هو عظيم أن نذكر بصلة الأرحام لأن قطيعة الرحم من الكبائر
بالإجماع وهي من معاصي البدن وهي تحصل بإيحاش قلوب الأرحام وتنفيرها إما
بترك الإحسان بالمال في حال الحاجة النازلة بهم أو ترك الزيارة بلا عذر.
والمراد بالرحم الأقارب كالجدات والأجداد والخالات والعمات
وأولادهن والأخوال والأعمام وأولادهم ونحوهم، يقول الله تعالى: {فهل عسيتم
إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله
فأصمهم وأعمى أبصارهم} (سورة محمد ءاية 22 – 23)، فقطيعة الرحم إخوة
الإيمان من أسباب تعجيل العذاب في الدنيا قبل الآخرة، فقد روى أحمد أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من ذنب أجدر بأن يعجل لصاحبه
العقوبة في الدنيا مع ما ينتظره في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم".
والبغي معناه: الاعتداء على الناس.
اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة يا أرحم الراحمين يا الله.
هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونشكره ونعوذ بالله
من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي
له والصلاة والسلام على رسول الله.
عباد الله أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله العلي العظيم.
واعلموا أن الله أمركم بأمر عظيم أمركم بالصلاة والسلام على
نبيه الكريم فقال: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين
ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما}، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى ءال سيدنا
محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى ءال سيدنا إبراهيم وبارك على سيدنا
محمد وعلى ءال سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى ءال سيدنا
إبراهيم إنك حميد مجيد.
يقول الله تعالى: {يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة
شىء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى
الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد}، اللهم إنا دعوناك فاستجب
لنا دعاءنا فاغفر اللهم لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا اللهم اغفر للمؤمنين
والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ربنا ءاتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة
حسنة وقنا عذاب النار اللهم اجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين اللهم
استر عوراتنا وءامن روعاتنا واكفنا ما أهمنا وقنا شر ما نتخوف.