قد تضاربت الفتاوى بشأن صيام شهر رجب، فمن قائل
بأهمية الصيام فيه وفضله على غيره من الشهور، ومن قائل بمنع الصيام فيه ،
وأن الصيام فيه بدعة، فما القول الفصل في هذا؟
يرد فضيلة الشيخ حامد العطار قائلا :-
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
شهر رجب واحد من شهور السنة ، وصيام النافلة في جميع شهور السنة مشروع إلا في رمضان والعيدين وأيام التشريق، ويوم الجمعة ، فأما شهر رمضان فلأنه ليس محلا للتطوع، وأما غيره فلما صح من النهي عن صيام النافلة فيه.
أما شهر رجب فلم يصح في فضل صيامه شيء فهو كغيره من سائر الشهور .
ومع
أن صيام النافلة مشروع فيما عدا هذه المواضع إلا أنه يكون في بعضها أوكد
من بعض، وتتأكد المشروعية في بعض هذه الأيام حتى يصير الصيام سنة وهديا
ثابتا عن رسول اللهصلى الله عليه وسلم.
من ذلك صيام
الاثنين والخميس، فصيام أثانين وأخمسة السنة كلها – ومنها شهر رجب- سنة
ثابتة عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وإن كان صيام الإثنين أثبت
من يوم الخميس ما لم يقصد الصائم بصيامه إياها تعظيم شهر رجب.
فعن أبي قتادة
الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم
الاثنين فقال: ( فيه ولدتُ ، وفيه أُنزل عليَّ ، رواه مسلم .
وعن عائشة رضي الله
عنه قالت : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحرَّى صوم الاثنين والخميس)
رواه الترمذي ، وغيره، وصححه الشيخ الألباني .
ومن ذلك صيام
الأيام البيض من كل شهر، فعن أبي أبا ذر رضي الله عنه قال : قال لي رسول
الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا صمتَ شيئا من الشهر فصم ثلاث عشرة ،
وأربع عشرة ، وخمس عشرة) رواه الترمذي وغيره، وصححه الشيخ الألباني).
بل أصل صيام ثلاثة
أيام من كل شهر سنة ثابتة سواء أكانت من أول الشهر أو من وسطه ، أو من
آخره، فعن معاذة العدوية أنها سألت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم :
أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام ؟ قالت :
نعم . فقلت لها : من أي أيام الشهر كان يصوم ؟ قالت : لم يكن يبالي من أي
أيام الشهر يصوم. رواه مسلم .
ومن ذلك صيام يوم ،
وإفطار يوم، ففي صحيحي البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال( أحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه
السلام وأحب الصيام إلى الله صيام داود وكان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه
وينام سدسه ويصوم يوما ويفطر يوما".
فصيام هذه المواضع سُنةٌ من كل شهرٍ، سواء في ذلك رجب وغيره إلا في المواضع التي ذكرنا النهي عن التطوع فيها.
وسواء في ذلك
الصيام لمن كانت له في ذلك عادة أو لمن لم تكن له عادة، أو تطوع بهذا
الصيام بنية تدريب نفسه على الصيام بين يدي شهر رمضان.
ويبقى السؤال : ما حكم الإكثار من الصيام في شهر رجب بنية اعتقاد أفضلية الصيام فيه عن غيره من الشهور؟
والجواب أنه لو صح
حديث ( صم من الحرم واترك ) لكان حاسما لكل نزاع، وكان كافيا في إثبات فضل
الصيام في شهر رجب كواحد من الأشهر الحرم، ولكن الحديث ضعيف، رواه أبو
داود وغيره من حديث المجيبة الباهلية عن أبيها أو عمها، والحديث فيه
اضطراب يوجب تضعيفه، وقد أشار إلى ذلك الحافظ ابن حجر، وصرح الشيخ
الألباني فيه بالتضعيف.
ولذلك قال الإمام
ابن القيم :ولم يصم صلى الله عليه وسلم الثلاثة الأشهر سردا ( أي رجب
وشعبان ورمضان ) كما يفعله بعض الناس ولا صام رجبا قط ولا استحب صيامه .
وقال الحافظ ابن
حجر في تبين العجب بما ورد في فضل رجب : لم يرد في فضل شهر رجب ولا في
صيامه ولا في صيام شيء منه معيّن ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح
يصلح للحجة وقد سبقني إلى الجزم بذلك الإمام أبو إسماعيل الهروي الحافظ
وكذلك رويناه عن غيره .انتهى.
وفي صحيح مسلم أن
عثمان بن حكيم الأنصاري قال: " سألت سعيد بن جبير عن صوم رجب ؟ ونحن يومئذ
في رجب فقال سمعت ابن عباس رضي الله عنها يقول كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم"
قال الإمام النووي :-
الظاهر أن مراد
سعيد بن جبير بهذا الاستدلال أنه لا نهى عنه ولا ندب فيه لعينه، بل له حكم
باقي الشهور، ولم يثبت في صوم رجب نهى ولا ندب لعينه، ولكن أصل الصوم
مندوب إليه. انتهى.
وعلى ذلك فالصيام
في شهر رجب مشروع فيه كله كغيره من الشهور، وبعضه أوكد من بعض، كأيام
الإثنين والخميس فيه، وكأيام البيض منه، إلا أن الصيام فيه ليس بأفضل مما
في غيره من الشهور، فليس للصيام فيه فضل على غيره.
ومن صامه معظما
إياه، أو اعتقد أن صيامه أفضل من غيره كان مبتدعا ، معظما له من عند نفسه
، دون أن يكون له سند في ذلك من كتاب أو سنة.
ولذلك فإن سيدنا
عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- كان ينهى عن صيام رجب لما فيه من التشبه
بالجاهلية كما ورد عن خرشة بن الحر قال : رأيت عمر يضرب أكف المترجبين حتى
يضعوها في الطعام ويقول : كلوا فإنما هو شهر كانت تعظمه الجاهلية .صححه
الشيخ الألباني في الإرواء.
والله أعلم .
بأهمية الصيام فيه وفضله على غيره من الشهور، ومن قائل بمنع الصيام فيه ،
وأن الصيام فيه بدعة، فما القول الفصل في هذا؟
يرد فضيلة الشيخ حامد العطار قائلا :-
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
شهر رجب واحد من شهور السنة ، وصيام النافلة في جميع شهور السنة مشروع إلا في رمضان والعيدين وأيام التشريق، ويوم الجمعة ، فأما شهر رمضان فلأنه ليس محلا للتطوع، وأما غيره فلما صح من النهي عن صيام النافلة فيه.
أما شهر رجب فلم يصح في فضل صيامه شيء فهو كغيره من سائر الشهور .
ومع
أن صيام النافلة مشروع فيما عدا هذه المواضع إلا أنه يكون في بعضها أوكد
من بعض، وتتأكد المشروعية في بعض هذه الأيام حتى يصير الصيام سنة وهديا
ثابتا عن رسول اللهصلى الله عليه وسلم.
من ذلك صيام
الاثنين والخميس، فصيام أثانين وأخمسة السنة كلها – ومنها شهر رجب- سنة
ثابتة عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وإن كان صيام الإثنين أثبت
من يوم الخميس ما لم يقصد الصائم بصيامه إياها تعظيم شهر رجب.
فعن أبي قتادة
الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم
الاثنين فقال: ( فيه ولدتُ ، وفيه أُنزل عليَّ ، رواه مسلم .
وعن عائشة رضي الله
عنه قالت : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحرَّى صوم الاثنين والخميس)
رواه الترمذي ، وغيره، وصححه الشيخ الألباني .
ومن ذلك صيام
الأيام البيض من كل شهر، فعن أبي أبا ذر رضي الله عنه قال : قال لي رسول
الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا صمتَ شيئا من الشهر فصم ثلاث عشرة ،
وأربع عشرة ، وخمس عشرة) رواه الترمذي وغيره، وصححه الشيخ الألباني).
بل أصل صيام ثلاثة
أيام من كل شهر سنة ثابتة سواء أكانت من أول الشهر أو من وسطه ، أو من
آخره، فعن معاذة العدوية أنها سألت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم :
أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام ؟ قالت :
نعم . فقلت لها : من أي أيام الشهر كان يصوم ؟ قالت : لم يكن يبالي من أي
أيام الشهر يصوم. رواه مسلم .
ومن ذلك صيام يوم ،
وإفطار يوم، ففي صحيحي البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال( أحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه
السلام وأحب الصيام إلى الله صيام داود وكان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه
وينام سدسه ويصوم يوما ويفطر يوما".
فصيام هذه المواضع سُنةٌ من كل شهرٍ، سواء في ذلك رجب وغيره إلا في المواضع التي ذكرنا النهي عن التطوع فيها.
وسواء في ذلك
الصيام لمن كانت له في ذلك عادة أو لمن لم تكن له عادة، أو تطوع بهذا
الصيام بنية تدريب نفسه على الصيام بين يدي شهر رمضان.
ويبقى السؤال : ما حكم الإكثار من الصيام في شهر رجب بنية اعتقاد أفضلية الصيام فيه عن غيره من الشهور؟
والجواب أنه لو صح
حديث ( صم من الحرم واترك ) لكان حاسما لكل نزاع، وكان كافيا في إثبات فضل
الصيام في شهر رجب كواحد من الأشهر الحرم، ولكن الحديث ضعيف، رواه أبو
داود وغيره من حديث المجيبة الباهلية عن أبيها أو عمها، والحديث فيه
اضطراب يوجب تضعيفه، وقد أشار إلى ذلك الحافظ ابن حجر، وصرح الشيخ
الألباني فيه بالتضعيف.
ولذلك قال الإمام
ابن القيم :ولم يصم صلى الله عليه وسلم الثلاثة الأشهر سردا ( أي رجب
وشعبان ورمضان ) كما يفعله بعض الناس ولا صام رجبا قط ولا استحب صيامه .
وقال الحافظ ابن
حجر في تبين العجب بما ورد في فضل رجب : لم يرد في فضل شهر رجب ولا في
صيامه ولا في صيام شيء منه معيّن ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح
يصلح للحجة وقد سبقني إلى الجزم بذلك الإمام أبو إسماعيل الهروي الحافظ
وكذلك رويناه عن غيره .انتهى.
وفي صحيح مسلم أن
عثمان بن حكيم الأنصاري قال: " سألت سعيد بن جبير عن صوم رجب ؟ ونحن يومئذ
في رجب فقال سمعت ابن عباس رضي الله عنها يقول كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم"
قال الإمام النووي :-
الظاهر أن مراد
سعيد بن جبير بهذا الاستدلال أنه لا نهى عنه ولا ندب فيه لعينه، بل له حكم
باقي الشهور، ولم يثبت في صوم رجب نهى ولا ندب لعينه، ولكن أصل الصوم
مندوب إليه. انتهى.
وعلى ذلك فالصيام
في شهر رجب مشروع فيه كله كغيره من الشهور، وبعضه أوكد من بعض، كأيام
الإثنين والخميس فيه، وكأيام البيض منه، إلا أن الصيام فيه ليس بأفضل مما
في غيره من الشهور، فليس للصيام فيه فضل على غيره.
ومن صامه معظما
إياه، أو اعتقد أن صيامه أفضل من غيره كان مبتدعا ، معظما له من عند نفسه
، دون أن يكون له سند في ذلك من كتاب أو سنة.
ولذلك فإن سيدنا
عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- كان ينهى عن صيام رجب لما فيه من التشبه
بالجاهلية كما ورد عن خرشة بن الحر قال : رأيت عمر يضرب أكف المترجبين حتى
يضعوها في الطعام ويقول : كلوا فإنما هو شهر كانت تعظمه الجاهلية .صححه
الشيخ الألباني في الإرواء.
والله أعلم .