قواعد في الرزق الحسن على ضوء قصة شعيب
بسم الله الرحمان الرحيم
إن المتأمل في واقعنا اليوم يرى انفتاح المعاملات المالية بشكل عجيب ،
فتكاد في كل يوم تستحدث طريقة او عدة طرق لجلب المال و الاستثمار ، دون أن
يرجع بعضها إلى أساس شرعي ، أو إلى من يبحث في شرعيتها و يحدد حكمها و
ضوابطها ، و ما ذاك إلا للنهم و الشره في جمع المال و تحصيله ، بغض النظر
عن تحريمه أو تحليله ، مما جعل للمال سلطاناً في حياة الناس يحدد مسارها و
علاقاتها ، فأصبحت الآيات و الأحاديث بمعزل عن كثير من هذه المعاملات ،
كما أن كلمات الأولين في الحث على طيب المطعم ، و طلب الحلال ، قد غابت عن
أذهان الكثير ، مما يستدعي جهوداً جبارة ، لإعادة النصوص الشرعية إلى
الساحة بقوة ، و الوقوف في وجه هذا الغثاء ، الذي تولد من تبعية مقيته
للحضارة الرأسمالية الموبوئة و لعل في قصة نبي الله شعيب – عليه السلام
-قواعد كلية ، و تجارب ناضجة ، و نماذج خيرة ، و طريقة موفقة و مسددة
للإهتمام بالرزق الحسن ، كما تضمنت التحذير من النماذج السيئة ، و الطرق
الملتوية لجمع المال ، فرسم في دعوته عليه السلام للدعاة منهجاً قويما ،
إذ نجد في دعوته لقومة تحذير و إنذار ، و ترغيب و ترهيب ، منع من الظلم ،
وحث على حتمية العدل ، كما ذكر في دعوته لهم صوراً حية ، من هذه المعاملات
التي ينبغي عليهم تركها بالكلية ، ثم حذر من عواقب الاستمرار في هذا
الطريق الملوث ، بأنه فساد في الأرض بكل ما تعنيه هذه الكلمة من حقـائق و
دلالات ، و لعل هذا الجهد الجبار ، من نبي الله شعيب في إصلاح هذا الخلل ،
و محاولاته الحثيثة لإعادة التوازن المالي في المجتمع ، و الوقوف في وجه
الفساد بالمبادئ و القيم الأصيلة ، لدلالة واضحة على أهمية الجانب
الاقتصادي في حياة الناس ، و أي انحراف في هذا الجانب لهو نذير شر على
المجتمع بأسره ، إذا لم يؤخذ على أيدي المفسدين ، فتضمنت دعوته لقومه الحث
على طلب الرزق الحسن من خلال القواعد التالية :
أولاً :العدل .
و هذا أساس في المعاملات المالية و غيرها ،عند تعامل الخلق مع بعضهم البعض
، فلا يجوز لأحد مهما كان ، بأن يخل بهذا الأساس المتين ،أو يتنكر له، و
لو كان تعامله مع ظالم أو كافر ، و من نصيحة نبي الله شعيب - عليه السلام
- لقومه ، أن أمرهم بالعدل ،فيتحقق لهم بذلك الربح و عدم الظلم ، كما أن
العدل نقطة وسط ، أي أنه قريب منهم ليس شاقاً العمل به ، كما أن التعامل
به ليس به أي خسارة كما يتوهمون ، و هذه الحقيقة لا بد أن يعيها
الاقتصاديون جيدا ، إذ إن العدل يحقق الطمانينة في المجتمع ، وينشر الثقة
و الراحة بين أفراده ،و يربح بالتعامل به جميع الأطراف ، دون ظلم أو حيف ،
فنهاهم أولاً عن الظلم ، ثم أمرهم بالعدل ، و هذا يشمل الموظف في وظيفته ،
و التاجر في حانوته ، و العامل في مصنعه ، فلا ينقص الحقوق الواجبة عليه
للآخرين ، أو يفرط فيها ، أو يأخذ ما ليس له.
ثانياً : البركة.
و حيث أن القصة تناولت الفساد الاقتصادي في حياة الناس ، فقد تم التركيز
على البركة في المال ، حيث أنها سر المال و جوهره ، و ذلك من خلال ثلاث
جوانب :
ا- التعامل مع الله عز وجل : و أن الشأن هو بركة الله في المال و الربح ،
و ليس الشأن كثرته ، و ذلك بقوله كما حكى الله عنه ( بقية الله خير لكم..)
قال القرطبي –رحمه الله – في تفسير هذه الآية " أي ما يبقيه الله لكم بعد
إيفاء الحقوق بالقسط أكثر بركة، وأحمد عاقبة مما تبقونه أنتم لأنفسكم من
فضل التطفيف بالتجبر والظلم؛ قال معناه الطبري، وغيره "
و هذا معنى عجيب، و جانب مهم حين التعامل مع المال ، ، إذ المعتبر البركة
و ليس الكثرة ، و غياب هذا المعنى الأصيل ، أو انعكاسه يسبب مشاكل و
مخالفات كثيرة ، لعل منها ما نلاحظه من شكوى الكثير ، من قلة بركة رواتبهم
و نفادها بشكل سريع ، و ذلك بسبب تعاملنا مع هذه الرواتب بشكل مادي جامد ،
دون أن يكون هناك توكل و اعتماد و ثقة بالله تعالى و دعاء و لجأ إليه بأن
يبارك فيها.
ب- الاستشهاد بالواقع و ذلك عند قوله لقومه ( و اذكروا إذ كنتم قليلا
فكثركم..) و قد ذكر المفسرون في هذا التكثير أقوالاً جمعها القرطبي – رحمه
الله - بقوله " وقيل: المراد مجموع الأقوال الأربعة فإنه تعالى كثّر عددهم
وأرزاقهم وطوّل أعمارهم وأعزّهم بعد أن كانوا على مقابلاتها."
فالتكثير و البركة من عند الله عز و جل فكما كثر أعدادكم و أرزاقكم و طول
أعماركم فهو أيضا يبارك في الربح الذي تربحونه عندما تعاملون الناس بالعدل
فهو بذلك ضرب لهم مثلاً من حياتهم وواقعهم لعلهم يستوعبون هذه الحقيقة
الصارخة و لعلنا نحن ايضا نستوعب هذه اللفته الرائعة من هذا النبي الكريم
إذ كنا قليل فكثرنا ، و فقراء فأغنانا.
ج – ( و انظروا كيف كان عاقبة المفسدين ) أولئك الأقوام الذين ملئوا الأرض
ضجيجاً و علوا و فسادا ، قد أعجبتهم قوتهم و كثرتهم فبادوا بعد الكثرة ، و
محقوا بعد البركة ، فلا تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا ، و في هذا
تذكير بمصير المفسدين ، فالله كثرهم ، و بسبب أعمالهم أهلكهم ، فاطلبوا
منه البركة و أعطوا هذا الجانب حقه.
ثالثاً : التحذير و الترهيب .
و حيث أن تشبث النفوس بالمال ، و تعلقها به قد يحملها على اقتحام الحرام ،
و الخوض فيه ، فكان من الحكمة قرع النفوس و تخويفها ، لعلها ترعوي و تهجر
الحرام ، فقد نوع نبي الله شعيب عليه السلام ، في اسلوب خطابه لتحذير قومه
و تخويفهم ، و طرقه من عدة جوانب ، إمعاناً في نصحهم ، و شفقة عليهم من
سخط الله عز وجل فقال لهم : ( إني أخاف عليكم عذاب يوم محيط) و لا يخفى ما
تضمنه هذا الخطاب من قرع و تخويف كما أنه قبل ذلك قال لهم : { إني اراكم
بخيرٍ }؛ فذكرهم برخص الأسعار، وكثرة الأرزاق، فينبغي عليهم الشكر لله على
هذه النعم ، لا بخس الحقوق ، و أكل الأموال بغير حق ، و حيث أن الجزاء من
جنس العمل ، و أنهم إذا استمروا على طريقهم في البخس و الظلم ، فإن الأمور
ستستبدل بضدها ، كما جرت سنة الله عز و جل بذلك ، و مجتمعنا اليوم إذ يشكو
الغلاء في الأسعار ، و ارتفاعها بشكل كبير ، لهو نذير خطر قد دق ناقوسه ،
إذ استمرأ كثير منهم الحرام ، فالربا يضرب بأطنابه دون نكير ، و التعامل
به متيسر لكل أحد ، إلى غير ذلك من المعاملات التي ينبغي أن توقف عند حدها
، حتى لا تنحدر الأمور إلى أسوأ من ذلك ، و نتذكر قول نبي الله شعيب ( إني
أراكم بخير و إني أخاف عليكم عذاب يوم محيط ) على أن هذا التحذير يتناول
الفرد و المجتمع بأسره ، فكل واحد منا يتقي الله في هذا المال و يعلم بأن
عقوبة التفريط قاسية.
رابعاً : القدوة الحسنة.
فلا يعدم المجتمع – و الحمد لله – من الأغنياء الأتقياء ، الذين لم
يتلوثوا بالعبودية للدينار و الدرهم ، و هم يملكون الأرصدة الضخمة في
حساباتهم ، و هؤلاء ينبغي ابرازهم للمجتمع ، لتكون هذه النماذج حاضرة حية
في ضميره ، و قدوة طيبة له ، فنبي الله شعيب قد احتج على قومه بهذه الحجة
الباهرة ، و ذلك بذكر الأمثلة من الذين لم يسلكوا طريق قومه في بخس الناس
و أكل أموالهم و ذلك عند قوله عليه السلام لهم : ( و رزقني منه رزقاً حسنا
) لا كما تظنون بأن ما أدعوكم إليه يقلل أرزاقكم و ارباحكم بل يزيد عددها
و بركتها ، و أنا أمامكم أملك المال الكثير و لم ابخس الناس حقوقهم أو
أظلمهم و هذه حجة واضحة و دليل دامغ على صدقه و نصحه لهم و هم يعلمون جيدا
صدقه و أمانته عليه السلام في تعامله مع الناس ، و لعل في انتشار
المعاملات الاسلامية في البنوك اليوم ، تعتبر من هذا القبيل حيث انتشرت
بشكل يبعث على الأمل و التفاؤل ، حتى تجاوزت إلى البنوك الغربية ، و لكن
ينبغي استغلال ذلك إلى أقصى حد في ابراز هذه الصورة للمجتمعات ، حتى
يعلموا بأن الاسلام هو الطريق الوحيد ، الذي يضبط حياة الناس و يحقق
آمالهم ، كما أن في قوله عليه السلام ، الاستفادة من تجارب الآخرين في حسن
التعامل مع المال ، و صرفه في وجوهه ، و الاستفادة من الخبراء و المتخصصين
في هذا المجال ، حتى لا يكون هناك عبث و اسراف في صرف المال على حساب امور
ضرورية في حياة المسلم.
نسأل الله أن يلهمنا رشدنا ، وأن يقينا شر أنفسنا ، فهو نعم المولى و نعم النصير.
منقول
بسم الله الرحمان الرحيم
إن المتأمل في واقعنا اليوم يرى انفتاح المعاملات المالية بشكل عجيب ،
فتكاد في كل يوم تستحدث طريقة او عدة طرق لجلب المال و الاستثمار ، دون أن
يرجع بعضها إلى أساس شرعي ، أو إلى من يبحث في شرعيتها و يحدد حكمها و
ضوابطها ، و ما ذاك إلا للنهم و الشره في جمع المال و تحصيله ، بغض النظر
عن تحريمه أو تحليله ، مما جعل للمال سلطاناً في حياة الناس يحدد مسارها و
علاقاتها ، فأصبحت الآيات و الأحاديث بمعزل عن كثير من هذه المعاملات ،
كما أن كلمات الأولين في الحث على طيب المطعم ، و طلب الحلال ، قد غابت عن
أذهان الكثير ، مما يستدعي جهوداً جبارة ، لإعادة النصوص الشرعية إلى
الساحة بقوة ، و الوقوف في وجه هذا الغثاء ، الذي تولد من تبعية مقيته
للحضارة الرأسمالية الموبوئة و لعل في قصة نبي الله شعيب – عليه السلام
-قواعد كلية ، و تجارب ناضجة ، و نماذج خيرة ، و طريقة موفقة و مسددة
للإهتمام بالرزق الحسن ، كما تضمنت التحذير من النماذج السيئة ، و الطرق
الملتوية لجمع المال ، فرسم في دعوته عليه السلام للدعاة منهجاً قويما ،
إذ نجد في دعوته لقومة تحذير و إنذار ، و ترغيب و ترهيب ، منع من الظلم ،
وحث على حتمية العدل ، كما ذكر في دعوته لهم صوراً حية ، من هذه المعاملات
التي ينبغي عليهم تركها بالكلية ، ثم حذر من عواقب الاستمرار في هذا
الطريق الملوث ، بأنه فساد في الأرض بكل ما تعنيه هذه الكلمة من حقـائق و
دلالات ، و لعل هذا الجهد الجبار ، من نبي الله شعيب في إصلاح هذا الخلل ،
و محاولاته الحثيثة لإعادة التوازن المالي في المجتمع ، و الوقوف في وجه
الفساد بالمبادئ و القيم الأصيلة ، لدلالة واضحة على أهمية الجانب
الاقتصادي في حياة الناس ، و أي انحراف في هذا الجانب لهو نذير شر على
المجتمع بأسره ، إذا لم يؤخذ على أيدي المفسدين ، فتضمنت دعوته لقومه الحث
على طلب الرزق الحسن من خلال القواعد التالية :
أولاً :العدل .
و هذا أساس في المعاملات المالية و غيرها ،عند تعامل الخلق مع بعضهم البعض
، فلا يجوز لأحد مهما كان ، بأن يخل بهذا الأساس المتين ،أو يتنكر له، و
لو كان تعامله مع ظالم أو كافر ، و من نصيحة نبي الله شعيب - عليه السلام
- لقومه ، أن أمرهم بالعدل ،فيتحقق لهم بذلك الربح و عدم الظلم ، كما أن
العدل نقطة وسط ، أي أنه قريب منهم ليس شاقاً العمل به ، كما أن التعامل
به ليس به أي خسارة كما يتوهمون ، و هذه الحقيقة لا بد أن يعيها
الاقتصاديون جيدا ، إذ إن العدل يحقق الطمانينة في المجتمع ، وينشر الثقة
و الراحة بين أفراده ،و يربح بالتعامل به جميع الأطراف ، دون ظلم أو حيف ،
فنهاهم أولاً عن الظلم ، ثم أمرهم بالعدل ، و هذا يشمل الموظف في وظيفته ،
و التاجر في حانوته ، و العامل في مصنعه ، فلا ينقص الحقوق الواجبة عليه
للآخرين ، أو يفرط فيها ، أو يأخذ ما ليس له.
ثانياً : البركة.
و حيث أن القصة تناولت الفساد الاقتصادي في حياة الناس ، فقد تم التركيز
على البركة في المال ، حيث أنها سر المال و جوهره ، و ذلك من خلال ثلاث
جوانب :
ا- التعامل مع الله عز وجل : و أن الشأن هو بركة الله في المال و الربح ،
و ليس الشأن كثرته ، و ذلك بقوله كما حكى الله عنه ( بقية الله خير لكم..)
قال القرطبي –رحمه الله – في تفسير هذه الآية " أي ما يبقيه الله لكم بعد
إيفاء الحقوق بالقسط أكثر بركة، وأحمد عاقبة مما تبقونه أنتم لأنفسكم من
فضل التطفيف بالتجبر والظلم؛ قال معناه الطبري، وغيره "
و هذا معنى عجيب، و جانب مهم حين التعامل مع المال ، ، إذ المعتبر البركة
و ليس الكثرة ، و غياب هذا المعنى الأصيل ، أو انعكاسه يسبب مشاكل و
مخالفات كثيرة ، لعل منها ما نلاحظه من شكوى الكثير ، من قلة بركة رواتبهم
و نفادها بشكل سريع ، و ذلك بسبب تعاملنا مع هذه الرواتب بشكل مادي جامد ،
دون أن يكون هناك توكل و اعتماد و ثقة بالله تعالى و دعاء و لجأ إليه بأن
يبارك فيها.
ب- الاستشهاد بالواقع و ذلك عند قوله لقومه ( و اذكروا إذ كنتم قليلا
فكثركم..) و قد ذكر المفسرون في هذا التكثير أقوالاً جمعها القرطبي – رحمه
الله - بقوله " وقيل: المراد مجموع الأقوال الأربعة فإنه تعالى كثّر عددهم
وأرزاقهم وطوّل أعمارهم وأعزّهم بعد أن كانوا على مقابلاتها."
فالتكثير و البركة من عند الله عز و جل فكما كثر أعدادكم و أرزاقكم و طول
أعماركم فهو أيضا يبارك في الربح الذي تربحونه عندما تعاملون الناس بالعدل
فهو بذلك ضرب لهم مثلاً من حياتهم وواقعهم لعلهم يستوعبون هذه الحقيقة
الصارخة و لعلنا نحن ايضا نستوعب هذه اللفته الرائعة من هذا النبي الكريم
إذ كنا قليل فكثرنا ، و فقراء فأغنانا.
ج – ( و انظروا كيف كان عاقبة المفسدين ) أولئك الأقوام الذين ملئوا الأرض
ضجيجاً و علوا و فسادا ، قد أعجبتهم قوتهم و كثرتهم فبادوا بعد الكثرة ، و
محقوا بعد البركة ، فلا تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا ، و في هذا
تذكير بمصير المفسدين ، فالله كثرهم ، و بسبب أعمالهم أهلكهم ، فاطلبوا
منه البركة و أعطوا هذا الجانب حقه.
ثالثاً : التحذير و الترهيب .
و حيث أن تشبث النفوس بالمال ، و تعلقها به قد يحملها على اقتحام الحرام ،
و الخوض فيه ، فكان من الحكمة قرع النفوس و تخويفها ، لعلها ترعوي و تهجر
الحرام ، فقد نوع نبي الله شعيب عليه السلام ، في اسلوب خطابه لتحذير قومه
و تخويفهم ، و طرقه من عدة جوانب ، إمعاناً في نصحهم ، و شفقة عليهم من
سخط الله عز وجل فقال لهم : ( إني أخاف عليكم عذاب يوم محيط) و لا يخفى ما
تضمنه هذا الخطاب من قرع و تخويف كما أنه قبل ذلك قال لهم : { إني اراكم
بخيرٍ }؛ فذكرهم برخص الأسعار، وكثرة الأرزاق، فينبغي عليهم الشكر لله على
هذه النعم ، لا بخس الحقوق ، و أكل الأموال بغير حق ، و حيث أن الجزاء من
جنس العمل ، و أنهم إذا استمروا على طريقهم في البخس و الظلم ، فإن الأمور
ستستبدل بضدها ، كما جرت سنة الله عز و جل بذلك ، و مجتمعنا اليوم إذ يشكو
الغلاء في الأسعار ، و ارتفاعها بشكل كبير ، لهو نذير خطر قد دق ناقوسه ،
إذ استمرأ كثير منهم الحرام ، فالربا يضرب بأطنابه دون نكير ، و التعامل
به متيسر لكل أحد ، إلى غير ذلك من المعاملات التي ينبغي أن توقف عند حدها
، حتى لا تنحدر الأمور إلى أسوأ من ذلك ، و نتذكر قول نبي الله شعيب ( إني
أراكم بخير و إني أخاف عليكم عذاب يوم محيط ) على أن هذا التحذير يتناول
الفرد و المجتمع بأسره ، فكل واحد منا يتقي الله في هذا المال و يعلم بأن
عقوبة التفريط قاسية.
رابعاً : القدوة الحسنة.
فلا يعدم المجتمع – و الحمد لله – من الأغنياء الأتقياء ، الذين لم
يتلوثوا بالعبودية للدينار و الدرهم ، و هم يملكون الأرصدة الضخمة في
حساباتهم ، و هؤلاء ينبغي ابرازهم للمجتمع ، لتكون هذه النماذج حاضرة حية
في ضميره ، و قدوة طيبة له ، فنبي الله شعيب قد احتج على قومه بهذه الحجة
الباهرة ، و ذلك بذكر الأمثلة من الذين لم يسلكوا طريق قومه في بخس الناس
و أكل أموالهم و ذلك عند قوله عليه السلام لهم : ( و رزقني منه رزقاً حسنا
) لا كما تظنون بأن ما أدعوكم إليه يقلل أرزاقكم و ارباحكم بل يزيد عددها
و بركتها ، و أنا أمامكم أملك المال الكثير و لم ابخس الناس حقوقهم أو
أظلمهم و هذه حجة واضحة و دليل دامغ على صدقه و نصحه لهم و هم يعلمون جيدا
صدقه و أمانته عليه السلام في تعامله مع الناس ، و لعل في انتشار
المعاملات الاسلامية في البنوك اليوم ، تعتبر من هذا القبيل حيث انتشرت
بشكل يبعث على الأمل و التفاؤل ، حتى تجاوزت إلى البنوك الغربية ، و لكن
ينبغي استغلال ذلك إلى أقصى حد في ابراز هذه الصورة للمجتمعات ، حتى
يعلموا بأن الاسلام هو الطريق الوحيد ، الذي يضبط حياة الناس و يحقق
آمالهم ، كما أن في قوله عليه السلام ، الاستفادة من تجارب الآخرين في حسن
التعامل مع المال ، و صرفه في وجوهه ، و الاستفادة من الخبراء و المتخصصين
في هذا المجال ، حتى لا يكون هناك عبث و اسراف في صرف المال على حساب امور
ضرورية في حياة المسلم.
نسأل الله أن يلهمنا رشدنا ، وأن يقينا شر أنفسنا ، فهو نعم المولى و نعم النصير.
منقول