للمباني لجأوا للمهندس والطب لجأوا للطبيب والسيارات لجأوا للميكانيكي ، وكل مهنة أعطوها لمتخصصها
إلا الدين فنصبوا أنفسهم مفتين ...
ــ أظن أن هذا حراماً ، أظن أن هذا حلالاً ...
ــ العلماء لا يسايرون الواقع فهم منغلقون وفتاواهم قديمة .
ـ ألا تنظر لهذه الآية فهي كذا وكذا .
ـ الله أعطانا العقل لأميز وأفسر وأفتي ولست بحاجة للمفتين .
أحبتي الكرام /
ما أسهل اللسان اليوم يقول هذا حلال وهذا حرام أصبحت الفتيا رخيصة ، فرخص
الدين وهان أمره في القلوب ، وتجرأ البعض على القول بغير علم ولا هدى .
بل وصل للبعض أن استغنى عن أهل الذكر واستبدلهم بهواه فأصبح يفسر ويستنبط ويستدل .
دعوني أسير معكم مع هذه الآيات والأحاديث وأقوال السلف
لعلها تكون منارة لمن كان له قلب :
الآيات القرآنية /
يقول تعالى {
قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم
مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ
تَفْتَرُونَ } يونس 59
يقول تعالى : { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ
هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ
إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ
}النحل116
يقول تعالى : { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ
مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن
تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن
تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }الأعراف33
يقول تعالى : { وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ
وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً
}الإسراء36
الأحاديث النبوية /عن عبد الله بن عباس :
أن رجلا أصابه جرح على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم أصابه احتلام
فاغتسل فمات فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه و سلم فقال : قتلوه قتلهم الله
ألم يكن شفاء العي السؤال فبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سئل عن
ذلك فقال : لو غسل جسده و ترك رأسه حيث أصابه الجرح )
قال الإمام الخطابي في هذا الحديث من العلم أنه عابهم بالفتوى بغير علم وألحق بهم الوعيد بأن دعا عليهم وجعلهم في الإثم قتلة له.
عن عبد الله بن عمر قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال :
يا رسول الله أي البقاع خير ؟ فقال : لا أدري قال فأي البقاع شر ؟ فقال :
لا أدري فأتاه جبريل فقال : سل ربك فقال جبريل : ما نسأله عن شيء فانتفض
انتفاضة كاد أن يصعق منها محمد صلى الله عليه و سلم فلما صعد جبريل قال
الله تعالى سألك محمد أي البقاع خير فقلت : لا أدري و سألك أي البقاع شر
فقلت لا أدري قال فقال : نعم قال : فحدثه أن خير البقاع المساجد و أن شر
البقاع الأسواق>
السلف الصالح :
يقول عبدالله بن أبي ليلى ( أدركت مائة وعشرون من أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم ماكان منهم محدثاً إلا ود أخاه كفاه منه الحديث ، ولا مفتي
إلا ود أن أخاه كفاه الفتيا )
يقول ابن الهيثم ( شهدت مالكاً وقد سئل ثمان وأربعون مسألة فقال في اثنتي وثلاثين منها لا أدري )
يقول مالك رحمه الله ( من أجاب في مسألة فينبغي قبل الجواب أن يعرض نفسه على الجنة والنار وكيف خلاصه ثم يجيب ) .
يقول ابو حنيفة رحمه الله ( لولا الفَرَق ( الخوف ) من الله تعالى أن يضيع العلم ما أفتيت ، يكون لهم المهنأ وعليّ الوزر ) .
بعض النقاط مما ورد في محاضرة :
( القول على الله بغير علم ) للشيخ عبدالرحمن السديس :
التحليل والتحريم حق لله: إخوة الإيمان: إن
التحليل والتحريم حق لله وحده، فالحلال ما أحله الله، والحرام ما حرمه
الله، ولقد أنكر سبحانه على أقوام جعلوا مصدر التحليل والتحريم من قبل
أهوائهم،
فقال عز من قائل: (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ
هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ
الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ
قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النحل:117]
وإن من أكبر الجنايات -يا عباد الله- أن يتصدر المرء للخوض في دين الله
تحريماً وتحليلاً، من غير علم ولا بصيرة، وهذا مع كونه جناية عظمى ففيه
سوء أدب مع الله تبارك وتعالى، حيث يتقدم بين يديه فيقول في دينه وشريعته
ما لا يعلم، وتلك والله أمارة ضعف الإيمان وقلة الديانة، بل ونقص العقل
والمروءة:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ )[الحجرات:1].
ووردة في الخطبة ايضا:
ألا فليعلم هؤلاء أنهم بكلامهم في الشريعة إنما يوقعون عن رب العالمين
سبحانه، وأن الفتاوى نار تضطرم، وكم سمعنا ونسمع من فتاوى فجة لا زمام لها
ولا خطام،
تبنى على التجري لا على التحري، لا تقوم على قدم الحق فتعنت الخلق، وتُشجي
الحَلْق، وحق على هؤلاء أن تسلم الأمة من لأوائهم وتحذر من غلوائهم 0
وإذا التمست أسباب هذه القضية، فإن أهمها : ضعف
الوازع، وقلة الرادع، والتقصير في التقوى والإيمان ومخافة الواحد الديان،
وعدم المنهج الصحيح في التلقي والتحصيل، إضافة إلى قاصم الظهور داء الشهرة
وحب الظهور، واستشراء التعالم المذموم، وغلبة الهوى، وقعود الأكفاء
والمؤهلين عن البلاغ والبيان، ولا يدفعنَّ بعض المؤهلين ورع كاذب، وتثبت
بارد في تبليغ ما يعلموا من دين الله عز وجل، فلا تنافي بين التثبت مما لا
يعلم، وتبليغ ما يعلم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه:
{بلغوا عني ولو آية }
وعلاج هذا الداء: بتقوية الإيمان والخوف من الله في النفوس، والسير على المنهج الصحيح في التعلم والأخذ من أهل العلم والرد إليهم للعلم والإيضاح
(وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ
لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ )[النساء:83]
لا سيما في المعضلات التي تحتاج إلى مرجعية علمية موثوقة، وما عم فيه التنازع والاختلاف:
(فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ )[النساء:59].
ومن العلاج:
القراءة في سير الأسلاف، والتحلي بأدب الخلاف، والتواضع الجم، والورع الصادق،
وقبل ذلك وبعده إخلاص النية لله عز وجل، وسؤاله التوفيق والتسديد.
فاتقوا الله -عباد الله- واعلموا أن القول على الله بلا علم ضرب من الكذب عليه سبحانه:
(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ )[الأنعام:144]
ومن ذلك الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترويج الأحاديث الموضوعة عليه،
وقد قال صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الشيخان : {من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار }
اللهم احفظ ألسنتنا ... بارك الله فيكم