موقعة فحل:
وتقدم المسلمون بعد ذلك نحو "فحل"، فقاتل المسلمون
الروم أشد قتال، فانهزم الروم وهم حيارى لا يجدون ملجأ ولا مهربًا،
فأصيبوا جميعًا وكانوا ثمانين ألفًا لم ينج منهم إلا القليل.
فتح بــيت المقدس:
ثم واصل أبو عبيدة تقدمه نحو حمص، وترك يزيد بن أبى
سفيان ليتجه نحو بلاد ساحل دمشق، وظل القادة المسلمون يفتحون المدن واحدة
بعد أخرى، ولم يبق أمام المسلمين إلا بيت المقدس، وله فى نفس المسلمين
مكانته واحترامه، وقداسته، فإليه كان إسراء الرسول (، ومنه كان معراجه.
وإليه كانت قبلتهم الأولى.
وقد دافع عنه الروم دفاعًا مستميتًا ألحق بجنود المسلمين كثيرًا من
الخسائر لكنهم صبروا وتحملوا، ليخلِّصوا بيت المقدس وأهله من حكم الرومان
وظلمهم.
وكتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص بالمسير إلى القدس، فلما وصل إلى
"الرملة" وجد عندها جمعًا من الروم عليه قائد داهية اسمه (الأرطبون) كان
أدهى الروم، وكان قد وضع "بالرملة" جندًًا عظيمًا و"بإيلياء" جندًا
عظيمًا، فكتب عمرو إلى عمر بالخبر، فلما جاءه كتاب عمرو قال: رمينا أرطبون
الروم بأرطبون العرب- يعنى عمرو بن العاص.
ظل عمرو يتربص بالأرطبون زمنًا فلا يجد فرصة لذلك، وكان يرسل إليه الرسل
ليعرف أمره فلا تشفيه الرسل، فقرر أن يلقاه بنفسه مدَّعيًا أنه رسول عمرو
بن العاص إليه.
دخل عليه وأبلغه ما يريد، وسمع كلامه وتأمل حضرته، وقال الأرطبون فى نفسه:
والله إن هذا لعمرو أو أنه الذى يأخذ عمرو برأيه. فقرر قتله، وأحس عمرو
بذلك فقال للأرطبون: أيها الأمير إنى قد سمعت كلامك وسمعت كلامى، وإنى
واحد من عشرة بعثنا عمر بن الخطاب لنكون مع هذا الوالى لنشهد أموره، وقد
أحببت أن آتيك بهم ليسمعوا كلامك، ويروا ما رأيت.
فطمع الأرطبون أن يقتلهم جميعًا، فقال له: نعم فاذهب فأتنى بهم، فقام عمرو
فذهب إلى جيشه، وعلم الأرطبون بعد ذلك أن الرسول كان عمرًا، فقال: خدعنى
الرجل، هذا والله أدهى العرب.
وكان أبو عبيدة لما فرغ من دمشق قد كتب إلى أهل بيت المقدس يدعوهم إلى
الله وإلى الإسلام أو يدفعون الجزية، وإلا كان الحرب بينهم، فأبوا أن
يجيبوا إلى ما دعاهم إليه، فركب إليهم فى جنوده، وحاصر بيت المقدس، وضيق
عليهم حتى أجابوا إلى الصلح.
وأحس أرطبون قائد الروم بهذه المناورات تدور حوله فهرب إلى مصر، وطلب
المسيحيون الصلح على أن يحضر الخليفة بنفسه لتسلم المدينة، ويتعهد لسكانها
بالحرية الدينية، فكتب عمرو إلى عمر يحيطه علمًا بذلك، فحضر عمر، وكتب
بنفسه كتاب الأمان المسمى "العهدة العمرية".
وفى تلك الأرض المباركة أقام عمر -رضى الله عنه- مسجدًا من الخشب فى خرائب
كانت عند الصخرة المقدسة، بعد أن طهره من القمامة التى كان الروم يلقونها
عليه، ثم عاد إلى المدينة المنورة فى سنة 16هـ / 677م.. لقد قضى على حكم
الروم فى هذه البلاد، وراحت الجيوش الإسلامية تواصل زحفها لتطهير البلاد
من فلول الروم.
فتح مصر:
وها هى ذى جيوشهم تفر أمام الجيوش الإسلامية وتهرب
إلى مصر، لقد قدم المسلمون آلاف الشهداء فى حروبهم ضد الروم فى سوريا
وفلسطين، فصارت هذه الديار غالية عليهم، ولن يحس المسلمون بالاستقرار فى
سورية وفلسطين، وهناك جيش كبير للروم على مقربة منهم، لقد اتخذوا من مصر
مركزًا لتجمعهم، وأصبح وجودهم خطرًا يهدد جيش الشام. من أجل هذا استأذن
عمرو بن العاص الخليفة فى فتح مصر.
وسارع عمرو إلى مصر فتم له فتحها سنة 20هـ/ 641م، وولاه عمر عليها يرتب
أمورها، وينظم أحوالها، ومن مصر تحرك جيش المسلمين غربًا إلى برقة فى
ليبيا، وجنوبًا إلى بلاد النوبة لفتحهما.
وبنى عمرو بن العاص الفسطاط لتصبح عاصمة مصر الإسلامية، وأقام بها الجامع
الذى عرف فيما بعد بجامع عمرو، وارتفعت كلمة التوحيد فى سماء مصر، لتكون
منارة مسلمة على مر الأجيال.
إن مصر هى كنانة الله فى أرضه، وجندها خير أجناد الأرض، وبفتح مصر أصبحت
بلاد الشام آمنة، وزال الخطر الذى كان يهدد الجيش الإسلامى بعد أن استسلم
الروم، وفروا هاربين إلى بلادهم.
عودة إلى جبهة الفرس:
كان اهتمام المسلمين بغزو الروم يفوق اهتمامهم بغزو
فارس؛ فالروم بدءوا بالشغب والعدوان على الحدود، والشام وفلسطين ومصر أراض
احتلتها الروم، لكنها كانت تترقب إلى الخلاص من بين أنياب هذا المستعمر
الظالم، وكان المسلمون يعلقون الآمال على أن يجدوا من أهل هذه البلاد بعض
المساعدة لطرد هؤلاء المستعمرين القساة، وقد تحقق لهم ما أرادوا.
موقعة البويب:
وفى عهد عمر كانت كفة المسلمين قد رجحت على الروم بعد انتصارهم
فى معركة "أجنادين"فاتجه عمر -رضى الله عنه- إلى معاودة الزحف على بلادالفرس
فبعث أبا عبيدة بن مسعود الثقفي، وأمر عمر -رضى الله عنه-
المثنى بن حارثة أن يكون فى طاعة أبى عبيدة.
وسار أبو عبيدة حتى عبر الفرات بمن معه من المسلمين وهناك دارت معركة عظيمة
هى معركة "الجسر" استشهد فيها القائد أبو عبيدة الثقفى وعدد كبير من المسلمين
بعد أن انتصروا على أهل فارس أولا فى عدة مواقع سابقة.
أرسل عمر -رضى الله عنه- إلى فارس جيشًا يقوده المثنى بن حارثة، وقد حقق
المسلمون فى هذه الموقعة انتصارًا رائعًا، فقد قُتل "مهران" قائد جيش
الفرس فى المعركة هو وكثير من أتباعه، وتلك كانت وقعة "البويب" وقد سماها
المسلمون "الأعشار" لأن كثيرًا من المسلمين قتل كل واحد منهم عشرة من
الفرس.
وفى "القادسية" التقى الفرس والمسلمون، قاد المسلمين سعد ابن أبى وقاص،
وقاد الفرس رستم، وفر رستم وعشرات الآلاف من جنوده، وغنم المسلمون غنائم
كثيرة بعد أن استمرت المعركة عدة أيام.
وتساقطت مدن فارس فى أيدى الجيش الإسلامى تساقط الثمرات واحدة بعد أخرى،
وكان انتصار المسلمين فى القادسية دافعًا لهم إلى مواصلة الزحف على
العاصمة "طيسفون" التى سماها العرب "المدائن"، ويشتد القتال ضراوة، ويهدم
الفرس الجسور حتى لا يستطيع العرب عبور نهر دجلة، ولكن المسلمين سرعان ما
عبروا النهر بخيولهم، وهنا اضطرب الفرس وأحاطت بهم الهزيمة، وهرب "يزدجرد
بن شهريار" إلى حلوان بأرض فارس.
وسقطت العاصمة الفارسية العريقة فى أيدى المسلمين، وكان سقوط العاصمة فى
العام السادس عشر من الهجرة، (637م). إنهم لم يقبلوا مع العرب صلحًا،
ورفضوا أن يدفعوا الجزية، وفضلوا عبادة الكواكب والنار والمجوسية على دين
الله، وأعلنوا عداءهم واستعدادهم لقتال المسلمين، إذن لم يبق إلا الحرب.
معركة جلولاء:لقد هرب "يزدجرد" ليعد عدته للقاء آخر، وراح يعسكر
بمنطقة "جلولاء"، والإمدادات تنهال عليه، والجنود يقومون بحفر الخنادق حول
معسكره، ولكن المسلمين يقتحمون عليهم خنادقهم، وتدور معركة من أعنف
المعارك، وثبت المسلمون حتى كُتِبَ لهم النصر، وكان قائد المسلمين فى
معركة جلولاء "هاشم بن عتبة" ويهرب "يزدجرد" مرة ثانية؛ حيث ترك حلوان وفر
إلى الري، ولم يبق إلا فتح الفتوح "موقعة نهاوند" إنها آخر محاولة يقوم
بها "يزدجرد".
نهاوند:لقد جمع الكثير من الجيوش التى استماتت فى الدفاع والحرب، ولكن المسلمين
هزموهم بإذن الله، لقد عزل عمر سعد ابن أبى وقاص، وولى مكانه النعمان بن
مقرن وقد سقط النعمان شهيدًا بعدما رأى بشائر الفتح لاحت فى الأفق، فأخذ
الراية أخوه نعيم، وناولها " حذيفة بن اليمان" وأشار عليهم المغيرة بن
شعبة بكتمان خبر استشهاد الأمير حتى لا يرتاب الناس، فلما تم النصر على
المشركين، جعل الناس يسألون عن أميرهم، فقال أخوه: "هذا أميركم، لقد أقر
الله عينه بالفتح وختم له بالشهادة". فاتبع الناس حذيفة ودخل المسلمون
نهاوند بعد هزيمة الفرس، وكان العرب يسمون فتح نهاوند "بفتح الفتوح".
وبعد نهاوند تقدمت الجيوش الإسلامية لتستولى على المدن المجاورة، وخضعت
لهم منطقة "أذربيجان"، وكانت هذه الانتصارات الباهرة سببًا فى إضعاف الروح
المعنوية عند الفرس.
لقد استسلم عدد كبير منهم ومالوا إلى الصلح، واستسلم عدد كبير منهم عنوة
وقهرًا، ولم يستطع "يزدجرد" مقابلة المسلمين فى قوة كما فعل فى الماضي،
وظل أمره فى نقصان حتى قتل بخراسان سنة 31هـ/ 652م، فى عهد عثمان -رضى
الله عنه- وبموته انتهت دولة (آل ساسان).
لقد دانت بلاد الشام للإسلام، ودانت بلاد الفرس للإسلام، حتى أصبح عصر عمر بن الخطاب بحق هو عصر الفتوحات الإسلامية.
فلم يكد المسلمون يستقرون هنا وهناك حتى أرسل سعد بن أبى وقاص أحد قادته
وهو عياض بن غنم إلى أرض الجزيرة ؛ حيث تجمع جند الروم فى أعلاها فافتتح
هذه البلاد. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل استمرت الدولة الإسلامية فى
عهد عمر تواصل فتوحها، والجند ينشرون الدعوة، والجهاد لا تنطفئ شعلته.
وتقدم المسلمون بعد ذلك نحو "فحل"، فقاتل المسلمون
الروم أشد قتال، فانهزم الروم وهم حيارى لا يجدون ملجأ ولا مهربًا،
فأصيبوا جميعًا وكانوا ثمانين ألفًا لم ينج منهم إلا القليل.
فتح بــيت المقدس:
ثم واصل أبو عبيدة تقدمه نحو حمص، وترك يزيد بن أبى
سفيان ليتجه نحو بلاد ساحل دمشق، وظل القادة المسلمون يفتحون المدن واحدة
بعد أخرى، ولم يبق أمام المسلمين إلا بيت المقدس، وله فى نفس المسلمين
مكانته واحترامه، وقداسته، فإليه كان إسراء الرسول (، ومنه كان معراجه.
وإليه كانت قبلتهم الأولى.
وقد دافع عنه الروم دفاعًا مستميتًا ألحق بجنود المسلمين كثيرًا من
الخسائر لكنهم صبروا وتحملوا، ليخلِّصوا بيت المقدس وأهله من حكم الرومان
وظلمهم.
وكتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص بالمسير إلى القدس، فلما وصل إلى
"الرملة" وجد عندها جمعًا من الروم عليه قائد داهية اسمه (الأرطبون) كان
أدهى الروم، وكان قد وضع "بالرملة" جندًًا عظيمًا و"بإيلياء" جندًا
عظيمًا، فكتب عمرو إلى عمر بالخبر، فلما جاءه كتاب عمرو قال: رمينا أرطبون
الروم بأرطبون العرب- يعنى عمرو بن العاص.
ظل عمرو يتربص بالأرطبون زمنًا فلا يجد فرصة لذلك، وكان يرسل إليه الرسل
ليعرف أمره فلا تشفيه الرسل، فقرر أن يلقاه بنفسه مدَّعيًا أنه رسول عمرو
بن العاص إليه.
دخل عليه وأبلغه ما يريد، وسمع كلامه وتأمل حضرته، وقال الأرطبون فى نفسه:
والله إن هذا لعمرو أو أنه الذى يأخذ عمرو برأيه. فقرر قتله، وأحس عمرو
بذلك فقال للأرطبون: أيها الأمير إنى قد سمعت كلامك وسمعت كلامى، وإنى
واحد من عشرة بعثنا عمر بن الخطاب لنكون مع هذا الوالى لنشهد أموره، وقد
أحببت أن آتيك بهم ليسمعوا كلامك، ويروا ما رأيت.
فطمع الأرطبون أن يقتلهم جميعًا، فقال له: نعم فاذهب فأتنى بهم، فقام عمرو
فذهب إلى جيشه، وعلم الأرطبون بعد ذلك أن الرسول كان عمرًا، فقال: خدعنى
الرجل، هذا والله أدهى العرب.
وكان أبو عبيدة لما فرغ من دمشق قد كتب إلى أهل بيت المقدس يدعوهم إلى
الله وإلى الإسلام أو يدفعون الجزية، وإلا كان الحرب بينهم، فأبوا أن
يجيبوا إلى ما دعاهم إليه، فركب إليهم فى جنوده، وحاصر بيت المقدس، وضيق
عليهم حتى أجابوا إلى الصلح.
وأحس أرطبون قائد الروم بهذه المناورات تدور حوله فهرب إلى مصر، وطلب
المسيحيون الصلح على أن يحضر الخليفة بنفسه لتسلم المدينة، ويتعهد لسكانها
بالحرية الدينية، فكتب عمرو إلى عمر يحيطه علمًا بذلك، فحضر عمر، وكتب
بنفسه كتاب الأمان المسمى "العهدة العمرية".
وفى تلك الأرض المباركة أقام عمر -رضى الله عنه- مسجدًا من الخشب فى خرائب
كانت عند الصخرة المقدسة، بعد أن طهره من القمامة التى كان الروم يلقونها
عليه، ثم عاد إلى المدينة المنورة فى سنة 16هـ / 677م.. لقد قضى على حكم
الروم فى هذه البلاد، وراحت الجيوش الإسلامية تواصل زحفها لتطهير البلاد
من فلول الروم.
فتح مصر:
وها هى ذى جيوشهم تفر أمام الجيوش الإسلامية وتهرب
إلى مصر، لقد قدم المسلمون آلاف الشهداء فى حروبهم ضد الروم فى سوريا
وفلسطين، فصارت هذه الديار غالية عليهم، ولن يحس المسلمون بالاستقرار فى
سورية وفلسطين، وهناك جيش كبير للروم على مقربة منهم، لقد اتخذوا من مصر
مركزًا لتجمعهم، وأصبح وجودهم خطرًا يهدد جيش الشام. من أجل هذا استأذن
عمرو بن العاص الخليفة فى فتح مصر.
وسارع عمرو إلى مصر فتم له فتحها سنة 20هـ/ 641م، وولاه عمر عليها يرتب
أمورها، وينظم أحوالها، ومن مصر تحرك جيش المسلمين غربًا إلى برقة فى
ليبيا، وجنوبًا إلى بلاد النوبة لفتحهما.
وبنى عمرو بن العاص الفسطاط لتصبح عاصمة مصر الإسلامية، وأقام بها الجامع
الذى عرف فيما بعد بجامع عمرو، وارتفعت كلمة التوحيد فى سماء مصر، لتكون
منارة مسلمة على مر الأجيال.
إن مصر هى كنانة الله فى أرضه، وجندها خير أجناد الأرض، وبفتح مصر أصبحت
بلاد الشام آمنة، وزال الخطر الذى كان يهدد الجيش الإسلامى بعد أن استسلم
الروم، وفروا هاربين إلى بلادهم.
عودة إلى جبهة الفرس:
كان اهتمام المسلمين بغزو الروم يفوق اهتمامهم بغزو
فارس؛ فالروم بدءوا بالشغب والعدوان على الحدود، والشام وفلسطين ومصر أراض
احتلتها الروم، لكنها كانت تترقب إلى الخلاص من بين أنياب هذا المستعمر
الظالم، وكان المسلمون يعلقون الآمال على أن يجدوا من أهل هذه البلاد بعض
المساعدة لطرد هؤلاء المستعمرين القساة، وقد تحقق لهم ما أرادوا.
موقعة البويب:
وفى عهد عمر كانت كفة المسلمين قد رجحت على الروم بعد انتصارهم
فى معركة "أجنادين"فاتجه عمر -رضى الله عنه- إلى معاودة الزحف على بلادالفرس
فبعث أبا عبيدة بن مسعود الثقفي، وأمر عمر -رضى الله عنه-
المثنى بن حارثة أن يكون فى طاعة أبى عبيدة.
وسار أبو عبيدة حتى عبر الفرات بمن معه من المسلمين وهناك دارت معركة عظيمة
هى معركة "الجسر" استشهد فيها القائد أبو عبيدة الثقفى وعدد كبير من المسلمين
بعد أن انتصروا على أهل فارس أولا فى عدة مواقع سابقة.
أرسل عمر -رضى الله عنه- إلى فارس جيشًا يقوده المثنى بن حارثة، وقد حقق
المسلمون فى هذه الموقعة انتصارًا رائعًا، فقد قُتل "مهران" قائد جيش
الفرس فى المعركة هو وكثير من أتباعه، وتلك كانت وقعة "البويب" وقد سماها
المسلمون "الأعشار" لأن كثيرًا من المسلمين قتل كل واحد منهم عشرة من
الفرس.
وفى "القادسية" التقى الفرس والمسلمون، قاد المسلمين سعد ابن أبى وقاص،
وقاد الفرس رستم، وفر رستم وعشرات الآلاف من جنوده، وغنم المسلمون غنائم
كثيرة بعد أن استمرت المعركة عدة أيام.
وتساقطت مدن فارس فى أيدى الجيش الإسلامى تساقط الثمرات واحدة بعد أخرى،
وكان انتصار المسلمين فى القادسية دافعًا لهم إلى مواصلة الزحف على
العاصمة "طيسفون" التى سماها العرب "المدائن"، ويشتد القتال ضراوة، ويهدم
الفرس الجسور حتى لا يستطيع العرب عبور نهر دجلة، ولكن المسلمين سرعان ما
عبروا النهر بخيولهم، وهنا اضطرب الفرس وأحاطت بهم الهزيمة، وهرب "يزدجرد
بن شهريار" إلى حلوان بأرض فارس.
وسقطت العاصمة الفارسية العريقة فى أيدى المسلمين، وكان سقوط العاصمة فى
العام السادس عشر من الهجرة، (637م). إنهم لم يقبلوا مع العرب صلحًا،
ورفضوا أن يدفعوا الجزية، وفضلوا عبادة الكواكب والنار والمجوسية على دين
الله، وأعلنوا عداءهم واستعدادهم لقتال المسلمين، إذن لم يبق إلا الحرب.
معركة جلولاء:لقد هرب "يزدجرد" ليعد عدته للقاء آخر، وراح يعسكر
بمنطقة "جلولاء"، والإمدادات تنهال عليه، والجنود يقومون بحفر الخنادق حول
معسكره، ولكن المسلمين يقتحمون عليهم خنادقهم، وتدور معركة من أعنف
المعارك، وثبت المسلمون حتى كُتِبَ لهم النصر، وكان قائد المسلمين فى
معركة جلولاء "هاشم بن عتبة" ويهرب "يزدجرد" مرة ثانية؛ حيث ترك حلوان وفر
إلى الري، ولم يبق إلا فتح الفتوح "موقعة نهاوند" إنها آخر محاولة يقوم
بها "يزدجرد".
نهاوند:لقد جمع الكثير من الجيوش التى استماتت فى الدفاع والحرب، ولكن المسلمين
هزموهم بإذن الله، لقد عزل عمر سعد ابن أبى وقاص، وولى مكانه النعمان بن
مقرن وقد سقط النعمان شهيدًا بعدما رأى بشائر الفتح لاحت فى الأفق، فأخذ
الراية أخوه نعيم، وناولها " حذيفة بن اليمان" وأشار عليهم المغيرة بن
شعبة بكتمان خبر استشهاد الأمير حتى لا يرتاب الناس، فلما تم النصر على
المشركين، جعل الناس يسألون عن أميرهم، فقال أخوه: "هذا أميركم، لقد أقر
الله عينه بالفتح وختم له بالشهادة". فاتبع الناس حذيفة ودخل المسلمون
نهاوند بعد هزيمة الفرس، وكان العرب يسمون فتح نهاوند "بفتح الفتوح".
وبعد نهاوند تقدمت الجيوش الإسلامية لتستولى على المدن المجاورة، وخضعت
لهم منطقة "أذربيجان"، وكانت هذه الانتصارات الباهرة سببًا فى إضعاف الروح
المعنوية عند الفرس.
لقد استسلم عدد كبير منهم ومالوا إلى الصلح، واستسلم عدد كبير منهم عنوة
وقهرًا، ولم يستطع "يزدجرد" مقابلة المسلمين فى قوة كما فعل فى الماضي،
وظل أمره فى نقصان حتى قتل بخراسان سنة 31هـ/ 652م، فى عهد عثمان -رضى
الله عنه- وبموته انتهت دولة (آل ساسان).
لقد دانت بلاد الشام للإسلام، ودانت بلاد الفرس للإسلام، حتى أصبح عصر عمر بن الخطاب بحق هو عصر الفتوحات الإسلامية.
فلم يكد المسلمون يستقرون هنا وهناك حتى أرسل سعد بن أبى وقاص أحد قادته
وهو عياض بن غنم إلى أرض الجزيرة ؛ حيث تجمع جند الروم فى أعلاها فافتتح
هذه البلاد. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل استمرت الدولة الإسلامية فى
عهد عمر تواصل فتوحها، والجند ينشرون الدعوة، والجهاد لا تنطفئ شعلته.